Wednesday, December 27, 2017

ديوان " غريق في بحر النساء " لـ خضر عواركة - صدر 2018 طبعة أولى عن دار الحضارة الإسلامية بيروت

غريقٌ في بحرِ النّساءِ


 

1


كلماتي

أنا يا صَديقَتِي الجميلة مُحاورٌ نَاجِح
لكنَّ كَلمَاتي حينَ أَعشقُ تُصبحُ فَاشِلَة
الحبُّ يُعمِي بَصيرَتِي فأُصبِحُ كَرُبَّانِ سَفينَة
هَبَّت عَليهَا الرِّيحُ ومَضَت..
وكَانَت أَشْرِعَتُها فوقَ صَوارِيها غَافِلَة
أَضْرَمَتْ عَيناكِ في دَمِي ألفَ بُركَانٍ
وشَاغَلتْنِي شِفَاهُكِ بطعمِ الجنَّة
ثُمَّ مَضَت رَامِيَةً إليَّ حَبَّتَينِ
بالعَدَد
مِنْ ثَمَرِ الرُّمَّان...
وَقَالَت إنّي رَاحِلَة

أَطَاعَنِي جَسَدُكِ لَحْظَتَين
ومَالَ رَأسُكِ ثَوانٍ ثمَّ اسْتَقَام
فَقَرَأَ شَيطَانُ الشَّمَاتَةِ عَلَى مَسَامِعِي قَصِيدَة المُذْهِلَة
ما أَنَا بِتِلْكَ الخَيَالَاتِ فَاعلٌ يا كُلْثُومَةَ الكَهْرَمَان
أَمْ قَصْدُكِ أَنْ أَموتَ بِصَاعِقَةٍ عَاجِلَة
أُغْمِضُ عَينِيَّ فأَذكُرُ لَمْسَةً فَوقَ جَفْنِي
ثُمَّ أَسْتَفِيْقُ عَلَى وَقْعِ كَلِمَاتكِ المُسْتَرْسِلَةِ
عَانِقِينِي مِنْ بَعِيدٍ
وَلَا تَتْرُكِي أَقْمَارَ العُمْرِ
تَهْرُبُ مِنْ حَائِرٍ سَهْرَانَ
لَهُ وَجْهٌ بَخِيْلٌ ونَفْسٌ بَاذِلَة
أَنَا المُحِيطُ وَأَنْتِ الكَوكَبُ
فَخُذِيْنِي كَمَا يَأخُذُ اللهُ رُوْحَ إِنْسَانٍ
إِنْ تَمَنَّى لِعَشْرِ مَرَّاتٍ أَنْ يَعِيْشَ الآجِلَة
أَنَا المُسَافِرُ وَأَنْتَ المَهْجَرُ فآوِيْنِي
فَقَدْ تَعِبَ مِنِّي الرَّحِيل
وَحَانَ وَقْتُ البَقَاءِ لِمَرَّةٍ فِي مَكَان

أَنَا البَاكِي وَأَنْتَ الدَّمْعُ الَّذِي كُلَّمَا تَسَاقَطَ

بَكَتْ عَلَى انْدِحَارِ جِيُوْشِهِ أَزْهَارُ البَيْلَسَانِ
أَمْسِكِي بِعُنْقِي هُنَا اِسْمُكِ يَنْضُجُ
مِثْلَمَا يَنْضُجُ الطِّفْلُ فِي جَزِيرَةِ الأُقْحُوَان
أَمْسِكِي بِيَدِيَّ فَيَدَاكِ مَسْكَنِي
والرُّوْحُ تَضطَرِبُ إنْ ابتَعَدَت عَنِّي تِلكَ اليَدَين
اِسْكِبِي سَمَارَ الوَجنَتَيْنِ فَوْقَ عُرُوْقِ اليَاسَمِين
يا زَهْرَةً فِيكِ مِنْ كُلِّ المُلُوكِ فَخْرُهُم
واضْرِبِي بعَصَاكِ وَجْهَ الأَرضِ
وتَدَثَرِي بِجَبَابِرَةٍ يَخْضَعُونَ لِسِحْرِكِ فِي سِرِّهِم
فِي صَوْتِكِ رَغَبَاتُ عَاشِقَة
وفِي قِوَامِكِ الأُنْثَوِيِّ زَئِيْرُ أُسُودٍ أَخَذَ القَانِصُونَ مَجْدَهُم
أَضْرِمِي النَّارَ بِجَسَدِي
واهْرُبِي

فَلَا يُطْفئُ اِشْتِعَالُ رَجُلٍ
إِلَّا قُبُلَاتُ عَاشِقَةٍ
وَلَا يَصْنَعُ الشِّعْرُ إِلّا أَلَماً تَتَسَبَّبُ بِهِ اِمْرَأَةٌ مِثْلُكِ
لَهَا عَقلُ مَلَاكٍ
وَشَهَوَاتُ إِنْسِان




2
عَطَشٌ

أمْسِكِي يَدَيَّ فَقَدْ أَوْدَعْتُهَا رُوْحِي... لَا تَتْرُكِيْهَا
وانْظُرِي إِلَيَّ كَمْ أَنَا مُشْتَاقٌ لِأَفْنَى.. وَعَيْنَاكِ عَنِّي لَاْ تُغْمِضِيها
إذ ما آلمْتُكِ في الماضي وأبكيْتُكِ دمعةً فنفسي تطلبُ الموتَ عقاباً
لأنتهيَ بالحبِّ من الوجودِ ولا تتعجّبي.. فبَعضُ الأرواحِ عِقابُها أن تعْشَقَ مُفنيهَا
شَممْتُ شَعرَكِ آخرَ لقائِنا وذُبْتُ فيكِ كما المَشَاعِرُ تَذُوبُ في خَوابِيهَا
رَسَمْتُ جسدكِ بخمرِ الخيالِ حتَّى ثَمُلَ الكأسُ
وأَهرَقْتُ جَواهرَ عقلٍ ما عادَ وَاعِيا
مذ قبَّلتْنِي شَفَتاكِ المُهداةُ لي من روحِ بَارِيها
لو عرفْتُ أنّهُ الوَداعُ ما تركْتُ قطعةً فيكِ
إلّا زَرَعْتُ أنفاسيَ كوَتَد عُودةٍ فيها
أَنا التّرابُ أَنا العَطَشُ فاروِينِي
مثلَ مطرِ ربيعٍ يُنعِشُ الأرضَ ويُشْفِيها
انهمِرِي عليَّ وعَانِقِينِي بَعدُ مرّةً
يا قَطرةَ زمانٍ لَمعَتْ في عمري بُرهةً..
كنجمةٍ ظهرَتْ ثمَّ انزوَتْ في أعاليْها
يا لَحُزْني عَليكِ ما أعْذَبهُ، يا لَعُمري دُونَكِ بَاردٌ ما أفظعَهُ
الدّموعُ ألمٌ بِلَا ذكرياتٍ وأنتِ كلُّ ما أَذكرُ مِن حياتِي فيها
عَيناكِ أَعطَتْ لحياتِي طَعمَها وشِفاهُكِ سرٌّ يفضَحُ معانِيها
دعِي الفراقَ ورائَنَا وتعالِي نشتري الدّنيَا بَعدُ مرّةً
إنْ لم يكنْ نعيمُ اللهِ لنا موطناً جَمَعَنا
فتَعَالِي نُبادُلُ الأبدَ في الدّنيَا بثَوانِيهَا
تعالِي نسكُنُ في مآقِي بعضِنَا يا كُلَّ سقَمِي
يا أجملَ من يوسِفَ ارمِ قميصَكِ على نظرِي
لا تكونِي ليلى معي ولا تُهْلِكِي قيساً ماتَ وهوَ يناجِيهَا
هَذِي دَقَائِقُ عمري لا تَعقِل مَنطِقاً
ما لِعشقيْ شافٍ إلّاكِ يا وثنِي
فتَعَالِي الليلَةَ ولتنْسِني هَمَّ الدُّنيَا ومَا فِيهَا



3
رِيحٌ وشَمْسٌ وَمَطَر

تصْفَعنِي شَمْسُ وَجهكِ بنَارِ الحُسنِ
تُعَرِّيني وتَكوِيْني وتُجَفِّفُني وتَذْرِيني
تُبعثِرني.. وتَكسِرنِي
وتُبَخِّرنِي.. فتَحمِلُني الرّيحُ..
تَتَلاعبُ بقطراتِي وتُداعِبُ نَثرَاتِي
تَرفَعُني كَما الرّوحُ....
بِلَا وزنٍ ولَا لَونٍ ولا طَعمٍ
إلّا طَعمُ شَفَتِيكِ الّتي تُشبهُ المَانْجَا
تَسُوقُني كالأسيرِ السّعيدِ بسَجّانَتِهِ الجَميلةِ
إلى حيثُ لا جاذبيَّةَ إلَّا تلكَ الّتي تُولَدُ من ألوانِ عَينَيكِ
تُكَوِّرُنِي الرّيحُ ويُدْخِلُنِي بَعضُها في مرمى بَعضِها الآخرِ
تَهتِفُ وتَصْفُرُ صِغارُها فرحاً بِما فَعَله آبَاؤهَا بِي
تَمَلُّ منِّي عَواصِفُهَا وتَزدَريْني فَتَرْفَعُني إلى سَمائِك
تُدْخِلُني عُنوةً في جَوفِ غَيْمَة
تَلوِّنُنِي بأَلوَانِهَا وتُشبهُني بِنُتَفِها
تَضَعُ ليَ المَسَاحِيقَ المُناسِبةَ لقلبِك
ثمَّ تُصَادِمنِي بشَقِيقَاتِها
تُلوِّحنِي شَمسُ وَجهِكِ من جديدٍ
فأُمْطِرُ فَوقَ حَدَائقِ نفسكِ
أَروِيهَا..
أُشبِعهَا...
أَسقِيهَا...
فَتُنبِتُ زُهورُكِ البَيضَاءُ والصَّفرَاءُ والحَمرَاءُ
فتَتَعطَّرِيْنَ بِي
وتَشربيْنَ ماءً يَنبُع مِنْ قَلبِي
فأُصبِحُ عُنوةً عَنكِ بعضَ قلبِكِ..
أَسْرِي في خَلَايا دَمِكِ
أَنبِضُ في البُطينِ الأيسرِ مُتوَجِّهَاً كَصَارُوخٍ إلى وَجْنَتَيْكِ
يُلوِّنها الخَجلُ بالأحمرِ إِذْ أَلثِمُ فَمَكِ والخَدّ
أُمسِكُ كَفَّيْكِ بكَفَّيكِ وأُرَطِّبُ بشرتَكِ
أُمَسِّدُ شَعركِ بأَطرافِ أَنامِلكِ الّتي تحملُهَا نفسِي
أُدَغْدِغُ عُنُقَ المَرمَرِ وأسْتَحِي
أنْ أَنْزِلَ.... قَلِيلَاً إلى مَا تَحتِهَا.. ولَا أَتَحرَّك
ولا أَتَحرَّكُ أكثرَ..
طَهارةُ الرّوحِ تَمنعُني..
تُنصِبُ لِي حاجزَ تفتيشٍ وتجرّدنِي مِنْ قَابليّتِي للاستِمتَاعِ
تَلفِظُنِي أَنفَاسُكِ مَع دَردَشَاتٍ تلفُظِينَهَا
تَزْفُرنِي آهاتُكِ إلى خارجِ شَفَتَيكِ..
تُعرّينِي أوتارُ صَوتِكِ وتَطرُدُني
فأَتمثَّل أَمَامَكِ...
شَبحَ رَجُلٍ
أذابتهُ الشّمسُ
وحَمَلَتهُ الرّيحُ
فَسَقَطَ مَعَ المَطَرِ...



4

بكاءٌ لقلبٍ بالحبِّ شَقى

بَكَى طَائِرٌ لقَلبٍ بالحُبِّ شَقى
فلَيسَ كلُّ مَنْ طَلَبَ الوِصالَ لَقى
يا عُمْرَاً بالأحزانِ تَلوَّنَ ما بَدَا
منّي لِتَدفَعنِي بجَفَائِكَ إلى الفَضَا
أُعطِيكَ الوَفا تِلوَ الوَفاءِ فَمَا نلتُ
 مِنكَ يا صَاحِبِي سِوَى الرَّدَى
عَارٌ أَنْ تذكرَ تِلكَ الحَمقَاءَ غَدَا
الحلمُ بِها أَمرُّ مِن طيرٍ لذِبحِه شَدَا
مَلَلتُ مِنْ نَفسِ الرَّديَّةِ فَيَا رُوحِي كَفَى
ذِكرُهَا سكّينُ غَدرٍ مَا أَصَابَتنِي حَتَّى
من سيوفِ الغُزَاةِ ولَا مِنْ رِماحِ العِدَا
أَخذتُها منقذاً مِنْ وُحُولِ الدُّنيا مرّةً
وغَسَلت نَفسَها بدمعِ أَهدَابِ المدَى
لقّنتُها مَعنَى العزَّةِ والشُّمُوخِ في العُلَا
وعلّمْتُهَا أَخْلَاقَ النّبالةِ فضَاعَ كلُّهُ سُدَى
كَانَ لِي أَغَانٍ لحّنْتُ وَجهَهَا فِيهَا
ومَا بَقِيَ مِنهَا يَا صَاحِ حتّى الصَّدَى
عَرِفَ العَاشِقُ أَسبَابَ مَا مَضَى
فارتَاحَتِ النَّفسُ إِذْ تَقبَّلت القَضَا


5


دُنْيا الكُنوز

هذهِ الدّنيا هباءٌ ليسَ فيها مَنْ يَفُوزْ
نَزْرَعُ الأيّامَ أَمَلاً في حَصَادٍ مِنْ كُنُوزْ
نَبتَنِي الأَحْقَادَ حَسَدَاً ونُبَاهِي بالبُرُوزْ
هَذِهِ الدُّنيَا رِيَاحٌ ونَحنُ أَورَاقٌ عجُوزْ
*****
تَكذِبُ الأيّامُ دَوماً والوهمُ في العُمرِ مَدِيدْ
يَمضِي فِي بَحرِ الثّوانِي كَأنِّي بالأمسِ وَلِيدْ
مَالِي فِي الدَّهرِ أَمَانِي إِلَّا أَنْ أَبْقَى وَحِيدْ
صحبةُ الأَنامِ ابتِلَاءٌ ومَا خَيرُ مَا تُرِيِدْ
******
قَد وثِقنَا ومَا رَبِحنَا إلَّا خُسرانَ الهَنا
اتركِ الأحزانَ تَترَى ولَا تَسأَل مَنْ أَنا
كُنّا بالأمسِ شَبابَاً نَشْتَهي نَيلَ الغِنَى
قَدْ تَوارَى الجُودُ فِينَا كُلّمَا زَادَ العَنَى
*******
هَذِهِ الدُّنيَا هَبَاءٌ لَيسَ تُعطِيكَ الكَثِير
أفْرحُ لبعضِ وَقتِي ثمَّ يُشقِينِي المَسِير
قَدْ زَرَعْتُ القَلبَ حُبّاً فكَيفَ صَارَ كَسير
هذه الدُّنيَا هَبَاءٌ تُعطِي وَعدَاً مِنْ أَثِير
*******
أينَ يا عُمرِي السّعادةُ أَينَ يَنَابِيعُ الحُبور
إنّي قَد كُنتُ صَبُورَاً وَمَا أَعطشْتُ الزُّهور
هَذِهِ الدُّنيَا فَنَاءٌ فابتغِي يَومَ النُّشُور
واقتُلِ الحُزنَ بصَبرِك وكنْ جِسرَاً للعُبور




6
أَيَقْتلُكَ الغِيابُ

أَيَقْتلُكَ الغِيابُ يَا صَاحِبِي؟
أَيُعَذّبُكَ العشْقُ في خَفَرْ؟
ألَستَ الَّذي لَمْ يُبَالِ
بِمَنْ غَابَ أو حَضَرْ
أَلَمْ يَسْجُدْ قَلْبُها لإرضائِكَ في السَّحَرْ
أَلَمْ تَرْجُكَ أنْ تُشَارِكهَا لَيالِي السَّهَرْ
فَاشْرَبْ مِنْ كَأسِهَا الّذي تَرَكْتهُ لَكَ
يَومَ ضَيّعَهَا الرَّحيلُ وأَضْجَرهَا الضَّجَرْ
ولا تَلُمْهَا فقَد قَتَلْتَها مَرَّاتٍ
وبَكَتْ دِمَاهَا مِنَ المَآقِي
حتَّى في وَجْنَتَيهَا خَطُّ الفُرَاقِ قَدْ حَفَرْ
****
الحبُّ شَتلَةُ وَردٍ إنْ لَمْ تَسْقِهَا وتَرعَاهَا
نَقَلهَا بِسَاطُ الرِّيحِ ولِعَابرِ سبيلٍ أَهْدَاهَا
البُرعُمُ في أَحضانِكَ ماتَ حينَ قَلْبُكَ جَفَاهَا
فاحْمِلْ الدَّمْعَ واِمْضِ وتَقَبَّلْ ما دَعَاهَا
إلى غِيابٍ يَقْتلكَ إذْ تَشتَاقُ ضِيَاْهَا
أَيَقتلكَ الغِيابُ يَا صَاحِبِي؟
كَانَتْ كلّهَا لكَ فَضيَّعتَ بالغرورِ خُطَاهَا
أَيَقْتلكَ الغِياب...
اِسكبْ الذِّكرَى في كأسِ العِبَر
وارضَ بِمَا حَصَل..
صنعُ يَدَيكَ يا صَاحِبي فاِرْضَ بِما حَصَل


7
يُنَادِيني قَلبِي

ينادِيني قَلبِي أنْ تَعَال احتَضِنِّي
واشدِدْ عَزِيمَةَ الجَسَدِ الهَزِيل
خُذْ وَجنَتيَّ بيَديكَ واعتَصِرْنِي
البردُ قارسٌ والطَّريقُ طويل
فَاحمِلْ عنّي تَعبِي واختَزِنِّي
قَد ضَاعَ عُمرِي بحُبِّ البَخيل
فَطمئِن كَيانِي أنّكَ لَنْ تَخُنِّي
وافرِدْ شِراعَكَ فَوقَ مَاءٍ مَهيل
وابحِرْ بروحِي حتّى التّجنّي
دَاوِ الضّلوعَ ورأساً عليل
بقومِ الجحودِ فلا تذكِّرْنِي
وأنِرْ لِي عَتمَتِي فَلَيلِي طَويل




8
مَرحَبَاً
مَرحَبَاً يَا مَدينةً أَخَذَت مِنِّي قَلبَهَا
مَرحَبَاً يَا مَاءً يَعبُرُ كَمَا دَمعِي بِقُربِها
آتِيكِ وروحِي مَعِي
وأرحلُ وقَد تَركْتُها عندَها
لَا أَرَاهَا فَتَسكُنُ مُهجَتِي
ولَا أَسْمَعُ فِي صَداكِ صَوتَها
أذكُرُها ولا تُشفِقُ على وَجَعِي
وكُلُّ القَصَائدِ كتبْتُها لأجلِهَا
الّليلُ بدفئِهِ يَجمَعُ العَاشِقِينَ
وهِي لا تَدْرِي أنِّي أَذُوبُ لذِكرِهَا
مَرْحَبَاً يَا شَوَارِعَ تُشجِينِي
إِذْ أَعْلَمُ أَنَّهَا بِغُنْجٍ تَعبرُها
هَذي حَياتِي دُونَهَا شَمْطَاءُ
كَعَجُوزٍ مَاتَ أَمَلَها بمَوتِ رَجُلِهَا
مَرحَبَاً يَا هَواء تَشمُّهُ بِنَهَمٍ
وَأَنَا يَخنِقُنِي إِذْ لَسْتُ فِي ذِهنِهَا
يَمُوتُ قَلبِي فِي كُلِّ يَومٍ ويَنْطَفِئ
حِينَ أَرَى فِي وُجُوهِ الجَمِيلَاتِ وَجْهَهَا
يُعذِّبُنِي احتِضَانُ عَاشِقٍ لِخَصرٍ مُرهَفٍ
ويَدَاي تَشتاقُ للعَبثِ بِنَهدِهَا
يَتَهَادَى الرِّيحُ على سحرٍ أسودٍ
وَحُلُمِي أَنْ أَشتمَّ لِمَرَّةٍ شَعْرَهَا
في عِشقِها هَوَت نَفْسِي العَذابَ للأَبَد
فَمَنْ يُشفِينِي يَا مَدينةً احتَضَنْتهَا فِي بُعدِهَا

9
ألَا يَا صَاحِبِي

فِي هَوى عَينِيكَ رَسمْتُ آفاقَ المَدَى 
وذابَتْ الحدُودُ ما بينَ الصَّوتِ والصَّدَى 
روَّعَنِي فَقْدُ خَليلٍ أَنْكَرَنِي وَتَاهَ قَلبهُ عنِّي 
ومَا أَعادَهُ النَّحِيبُ ولَا بالدَّمعِ اهتَدَى
ألَا يَنالُنِي يَا صَاحِبِي مِنْكَ ما اقتَضَى 
وَهَلْ لِي عِنْدَكَ حَقّ التّصافِي والرِّضَى 
أَوْدَعتُ رُوحِي بَينَ جَفنَيكَ رَهِينَةً
فَمَا رَدَّهَا الوفَاءُ مِنْكَ ولَا الحُزنُ انقضَى
الدَّربُ رحلَةٌ لَا يُوقِفُ سَيرَهَا جَاحدٌ 
والعُمرُ فِي انتِظَارِكَ يَا صَاحِبِي قَدْ مَضَى 





10

سَبعُ مئةِ ليلةٍ مِنَ العشقِ

لمْ أَكُنْ أُحِبُّ قَبلكِ وَجْهَ القَمر
وكَانتْ أَشْعارُ الأغاني التي تذكرهُ تُصيبُنِي بالضَّجَر
ولَمْ يَسَعُنِ يَومَاً أنْ أَكونَ صديقاً للكَاذِبِين
وكُنتُ أَخشَى العتمَ وأَكرهُ طُولَ السَّهَر
وكانَ لِي قَلبٌ بَريءٌ كطفلٍ يَخشَى الخَطَرْ
ثُمَّ جَاءتْ إليَّ رِيحُكِ السَّمْرَاءُ بِلَا خَفَرْ
فَصِرْتُ مَا بَينَ ليلةٍ وليلةٍ... عبدَ العِشْقِ الَّذي بِعينَيْكِ اِنْبَهَرْ
اِسْمُكِ يَا شَبِيهَةَ الرّيحِ لَا يُلفَظُ إلّا بعدَ رَكْعَتَيّ شُكْرٍ في السَّحَر
فَمِنْ أَينَ لِي أنْ أَصِلَ إلى مَلَكُوتكِ في الصُّوَرْ
وكيفَ السَّبيلُ إلى حيثُ تَسكُنينَ بعيداً عَن البَشَرْ
صَوتُكِ تَرنيمةُ مَلائِكَةٍ يا مَنْ أَنْغَامُكِ البَحْرُ انْشَطَرْ
شَفَتَاكِ بعضُ السَّمَاءِ وخَدَّاكِ صخرٌ فَوقَهُ المَوْجُ اِنْكَسَرْ
أَتَسْمَعِينَ خبطَ دموعٍ ما جفَّ غَيمُهَا ومَا اِنْدَثَرْ
أَتَعْلَمينَ أنِّي مُشْتَاقٌ وحُبِّي كَالبَرقِ بالفَقْدِ اِنْفَجَرْ
أَتَشْعُرِينَ بآلَامِي الّتي تَقْتلنِي... فحَبِيبِي هَجَرْ
أَتُشْفقِينَ على مَعْلُولٍ بِكِ ومِنْكِ الأَذَى وإلَيْكِ السَّفَرْ
أَتَقْبَلِينَ... بَعدَ سَبْعِ مِئةِ يَومٍ مِنَ العِشْقِ
أَنْ أَخْلَعَ مِنْ عَينيَّ ثَوبَ البَصَرْ؟
يَا أَجملَ صبيّةٍ فِي فَيافِي السِّحر
يَا فرَسَ الخَيالِ فِي بِلادِ الضّجَر
قَيّدِي حُلُمي وخُذِيهِ أَسيرَاً فِي خَفَر
واسْكُنِي بينَ أَرْوَاحِ العَذارَى والقَمَر





11
تلاوينُ المَسَاء

بالأَمسِ أَخبرتُكِ في تَلاوينِ المَسَاء
وأَفْضَيتُ فِي استِعرَاضِ الرّجولة
عَنْ حَاليَ فِي بُعدِكِ يَا أَبْهَى النِّسَاء
أَخْبَرْتكِ أَلفَ أَلْفِ حِكَايةٍ ومَقُولَة
ورَفعْتُ أَمَامَكِ رَايَاتِي إلى السَّمَاء
ومَارَسْتُ الدِّعايَةَ عَنْ نَفْسِي المهولَة
وقُلتُ إنِّي مِن بَعدِكِ بخيرٍ
وأُمُورِي كَمَا تَشْتَهي لِي الحَسْناء
وإنِّي رَاودتُ تُركيّةً ولُبنانيّةً وسوريّة
وإنّي أَحبَبتُ رَاقِصَةً وَفَنَّانَةً وعَذراء
ثُمَّ انسَحَبْنَا مِنَ الحَدِيثِ وأَنْتِ مُطمَئِنّةٌ
وأَنَا فِي عَينيَّ أَلفُ ألفِ غِشَاء
أُقسِمُ يَا سَيِّدَتِي المَغوليِّة السَّمراءَ
أَنِّي مِنْ بَعدِكِ فَقَدْتُ الشَّهوةَ والفحولَة
وحاولتُ أَنْ أُعَربِدَ وأن أروي ظمأَ الحُزنِ
وأَنْ أُعَانِقَ خيالاً وأَقتلَ الغُبْنَ
وإنّي يا حبيبةُ لَيسَت لِي مُبالَغةٌ في الكِبْرِيَاء
حتّى لَامَني قَلبِي وَجَرَى الدَّمْعُ مُنادِياً
يَا عَفْرَاءُ يَا مُسَمِّمَةَ الرُّوحِ وَالأَسْمَاء
لَا تُصَدِّقِي الكَاذِبَ أبداً
فَمَنْ بَعدكِ يَا أَجْمَلَ أَجملَ النّساء
أَصْبَحَ صَدِيقُنَا صُعلُوكَاً عَاجِزاً
وسُبابتهُ مِن بَعدِ نَهدِكِ أَصبَحَت عَذْرِاء
ترفضُ مسَّ ثديِ امرأةٍ أُخرَى
وكفّهُ تُناديكِ كطالبِ ماءٍ في الصّحراء
لَا.. فَمَا بَعد شَفَتَينِ كَانَتَا كَالخَمرِ المُعتّقِ
يا غَاليةً عَلَى الرُّوحِ يَا رُوحَ السَّماء
أُقسمُ بدمِكِ... بقدميكِ... بفمكِ
أنِّي بَعدكِ كَرِهْتُ كُلّ النِّسَاءِ والأَسْمَاء
وفَارَقتُ الدُّنيَا ميِّتَاً
وما ترينَهُ مِنّي
لَيسَ سِوَى شَبَحِي وبَعضَاً مِنَ الأَحرفِ
فَجَسَدي قَدْ مَاتَ حِينَ فارقتِهِ
وكفّاي هاتانِ مِن النّدمِ لم تَعُد مَلساء
يَا عَاشِقةَ الحُضنِ ويَا نَاعِسَةَ العَينَين
يَا مَنْ ضيّعْتُكِ بِعُتْهي وصَلَفِي يوماً
ومَا حَفِظتُكِ خوفاً مِن شَرِّكِ والأَخْطَاء
لا ألومنَّكِ ولا أَلُوم نَفسِي
وإنّما المحارةُ دوماً تُخفي اللّؤلؤَ
وما عَرَفنا قَدرَ بعضِنَا إلّا حينَ
غدوتِ بعيدةً وصارَ قلبيَ تَائِهَاً
مِثل قَيسٍ يُنادِي لَيلَاهُ فِي العَرَاء




12
خَمس الحَواسّ
يَتَمَلّكُ الصّوتُ الأمكنةَ ومَا يَحتَويها
يَجذُبُ نَواصِيَ أَنْهَارِ قلبِكِ ويُخفِيها
يُؤرجِحُ فِيك الرُّوحَ ويُدلِّلُ شِغافَهَا
يُتْعِبك ويفتَحُ عَينِيك ثمَّ يُعمِيهَا
بِخَمسِ الحَواسِّ يُخاطِبُك صَوتُها
يَغزُو خَلاياكِ ويُنثِرُهَا ثُمَّ يُذرِيهَا
يَزرَعُ فِي طِينِكِ بُذُورَاً ويَأويهَا
ويُمطِرُ فَوقَهَا قُبلاتٍ ويسْقِيهَا
يُمْسِكُ يَدَاً ويَمدُّ الرّجَاءَ لبَارِيهَا
أَتَخَافُ مِن اجتِياحِ صَوتِ دَاعِيهَا
يَا هَائِمَاً فِي عَرَاءِ العَينِ بَاكِيَهَا
أيَليقُ أَنْ تُهْزَمَ وَجُيوشُكَ فيهَا
أَو تَستَسلِمَ لِرخَامةٍ تَشتَهِيهَا
الرُّوحُ أمُّ الصَّوتِ والأَوتَارِ سَاعِيهَا
فاستَمِع وانْصِت إلى إنشادِ مُغنَّيهَا
إنَّ لِقاءَ الأَرْوَاحِ مَبدأُ دُنياكِ ومُنهِيهَا
فتوسَّلْ ولَا تَعجَلْ فَلَسْتَ مُلاقِيهَا
كتَائِبُكَ مِن صَوتِهَا بَلغَتْ مآسِيهَا
فارفَع البَيضَاءَ يَا مُغرمُ فَوقَ صَوَارِيهَا




13
تَهوَاكَ عَيني
تَهواكَ عَيني ثُمَّ يَجفُوكَ القلبُ إِذْ تَتَمَنَّع
يَا سَاحِرُ فِيكَ الطّلاسمُ تتجَمَّع
تغوِي بِثَغرِكَ الفتّانِ ضَوارِيَ الفَلا
ونجومُ الكَونِ عِندَ حُسنِكَ تَركَعُ
أبلغْتُ نَفسِي أنْ تُعزَّ نَفسَها وتَرتَقِي
فوقَ ذُلٍّ
أَنْتَ فيهِ حَجَرُ الرّحَى والمَرْجعُ
سَلبْتَ أفئدةَ الأَنَامِ إِذْ تُظهِر غِوَىً
وأنتَ أنتَ ألمُ الهَوَى والمُفْجِعُ
يا قائداً تركَ الجيوشَ تَتَنَاحَرُ حَولَهُ
وصَولجانُ عزَّكَ بالفِرَارِ يَنبعُ
أَقسَمتُ عَنكَ بعَادَاً وَأَنْ أَرتَوي
مِن غيرِ مائِكَ الّذي يُسقِمُ ولا يـُشبـِعُ
فررْتُ منكَ حَامِياً مَا مَلكَتْ يَدَي
وشَوقٌ أَعَادَنِي إلى
ما يُضِرُّ ولا يَنفَعُ
فعُدْتُ إلى حَيثُ طَاعةُ الهَوى فِيكَ مِنِّيْ
وصَدَعْتُ لِأمرِ العِشقِ
في محرابِكَ الّذي
على ألفِ مرِيدٍ أبوابُه تَتَوزَّعُ



14

أحِبّكِ أنتِ

أحِبّكِ أنتِ أفلا تشعريْن...
بأنّي غِواكِ وما تَحْلُمِين
وأنّكِ بَعضِي
إذَا مَا أَطَاحَ بِنَومِكِ طَيفِي..
إذَا مَا مَرَّ بدربِكِ بَعضِي
إذَا مَا أَلبسْتِ قلبَكِ.... بثَوبِ الحَنِين
أَلَا تَعرفِينَ....
أنَّ السَّماءَ غِطاءٌ لَنا ولِلعَاشِقِين
وأنَّ البَحرَ مجالُ الخَيالِ
وصِنْوُ المُحالِ
وأنَّكِ بَعضِي... أَلَا تَعْرِفِين
قَدْ وُلِدَ فِينَا الحُبُّ اليَقِين
فهلْ تَهربِين؟
يَا جِرحَاً فِي قَلبِي
يُدَاوِيهِ ثَغرُكِ
إذَا مَا لَامَسَ مِنِّي الجَبِين
يَا عُمُراً تَوارَی... خَلفَ الأَنين..
يَا صَوتَاً تَراءَی
كرُؤْيَا نَبِيٍّ لِلمُؤمِنِين
أَلَا تَشعُرِين؟
بأنَّ السّماءَ بدَاء ودَارُ الحَياءْ
وحَقلَاً يُدارِي غِوى الجَائِعينَ
إلى نُورِ شَمسٍ
إلى نَفحَةِ هَمسٍ
يَا كُلَّ المَعانِي في لَحنِ الأَغانِي
ألا تشعرين؟
بأنّكِ عُمرِي... وأنّكِ صَبرِي
انتَظَرْتُكِ حَتّى صُرتُ كَفَجرٍ
يُدَاوِي الحَزينَ... ويُشعِلُ بَردَاً
بذَاتِ السّقيمِ
ويُفرِحُ مِن اكْتِرَاهُ السّدِيمُ
فَصَارَ كَشَمعَةٍ تُنِيرُ الدّرُوبَ
وتَذْوِي بصَمتٍ
وتَرحلُ عنّا بِلا ذَرَّةِ معنىً
إلى أَنْ تَسودَ طُيورُ الظَّلَامِ
فَنَفْقِدُ طِيبَ مقامِ الهُمَامِ
ونَحلُمُ بالنّورِ إنْ جاءَ الخُزامُ
إلى دَارِ بَائسٍ طَواهُ الزُّحَامُ
فَعُفِّرَ نورٌ بذاكَ الزّؤامِ
وصَارَ للبيتِ مَلاكٌ يُنادِي...
لا تَخشُوا الهُيامَ
فما الحبُّ إلّا سِلَالُ الزُّهورِ
وجِسرُ العُبورِ
مِنْ أَرضٍ خَلاءَ مِنْ جَدبٍ تُعانِي
إلى سِحرِ بحرٍ يُنادي العَذَارَى
هَلِمُّوا وسيرُوا مَا بينَ الغمامِ
أَلَا تعرفينَ؟
أنّ السّماءَ منازلٌ زرقاءُ للعاشقينَ
وأَنتِ سَمايَ وأَنتِ هوايَ
وأنّكِ بَعضِي... أَلَا تَشعُرين؟




15
فَرحةُ الرّوحِ
يا فرحَةَ الرُّوحِ والقَلبِ أينَكِ مِنِّي
بَحثْتُ عَنْكِ الدّروبَ فَهَل بحثْتِ عنِّي؟
شوّهَ الشَّوقُ فيَّ الجُروحَ وطابَ
الهَوى فَلَذَّ مَا اعتَرَانِي فِي الحُبِّ أَنِّي
أَهوى لِمَن أَهواهُ دربَ النّجاةِ وأطلبُ
لنفسِي حينَ مرآهُ أنْ يُغرّدَ وأنْ يُغنِّي
في حُبِّ مَن عَشِقْتُ ذَابَ الهَوى
واستجَابَ لَهُ مِنِّي كُلُّ مَا لَيسَ مِنِّي
طلَبَ التَّمنِّي في الغرامِ طاعةً ساعةً
وكُلُّ مَا لَيسَ في الغَرامِ فِيكِ مِنِّي
أشفقَ البُعدُ لِي وحَنَّت مَسَافَاتٌ
وجَادَ الزّمانُ فجاءَنِي المَحبُوبُ بظنَّي
فَعَلت فيَّ يا تَوأَمَ الرُّوحِ مَا فَعَلَتْ
أمُّ كلثومَ بشاعرٍ لهَا كانَ يغنِّي
خُذِي منِّي بعضَ أيّامِكِ الحَيرَى
وهَاتِي شَفَتَيكِ فَمِنهَا أَوجَاعُ التّأنِّي
قبِّلِينِي إِذْ تَهِيمِي في البَرَارِي واصفَعِي
وَجهَ التَّردُّدِ بِلِسَانٍ يَقُولُ الصِّدقَ لا التَّجنِّي
مَا الحياةُ إلَّا ساعةُ صِدْقٍ في هَوَى
مَن تُحبِّين يَأتيكِ الجُنونُ لَا العَقلُ... فجُنِّي
إِنْ تتفكَّريْن فِي غيرةِ السّاهِي وطيبَة الطَّاهِي
فتَعالِي بعدَ عُمرِ العاشِقِينَ
وسيرِي في دروبٍ
قد سارَ عليهَا الخَاسِرُونَ مِن قَبلُ
وهَيهَات أَنِّي
أتركُ عُمراً أَنتِ فيه
قبلَ أنْ أرْتَوي
في عَطَشِي مِنكِ
وتَرتَوي أنتِ وتُشْبِعِي فيكِ
النَّهمَ إلى الحبِّ منِّي



16
في حَضرةِ الغِيابِ
تُصبِحينَ على رقصةِ قلبٍ يَا صَغِيرَتِي...
فلتنمْ عيناكِ الجميلتانِ نومَاً هنيئاً
فمنْ لهُ طِيبُ نَفسِكِ
لا يستحقُّ سِوى الهَناءِ...
لا تتركِي التّناقُضاتِ في حياتِكِ
تُمسِكُ بزمامِ أمركِ
فلا شيءَ أبشَعَ مِنْ أُنثَى بِجَمالِكِ
تًعطِي زمامَ أمرِها
لأعْمَى قلبٍ ونظرٍ
هو القدرُ...
لا تبخلِي على عاشِقٍ
بكلماتِ الحُبِّ
فلا يَكفِي أن يَعرِفَ بأنَّكِ تشعرينَ
بما تشعرينَ
القَلبُ مَوطِنُ الرُّوحِ
لِذَا...
لا مرضَ خبيثٌ يصيبُ قلوبَنا
والروحُ يا صَغيرَتِي
مثلُ طبلةِ الأذنِ
لا شيءَ يجعلُها تتراقصُ
إلّا الكلماتُ
لِذَا لَا تَبخلِي عَلى عاشقٍ
بكلماتِكِ
فبدونِهَا
يصبحُ حضورُكِ
في معنَى الغيابِ
وَكَأنّهَا رُوحٌ مُنكَسِرَةٌ لِرَجُلٍ
في حَضرةِ الغيابِ



17

هلْ تعلمينَ؟.....
هلْ تعلمينَ؟..
أنَّ النَّبيَّ تلقَّى الوَحيَ الإلهيَّ في الأَربعين
وأنَّ الأرضَ بالماءِ تطهَّرت ونُوحٌ لأَربعين
وأنَّ المسيحَ اختَلَى بأبِيه السَّماويِّ لأربَعين
وأنَّ التِّيهَ ومُوسى توأمَانِ فِي الأربَعِين
هَلْ تَعْلَمِين؟..
أنِّي في حُبِّكِ أُعَانِقُ نَفسِي كَمَا المِسكِين
أداري الدُّموعَ وأُخْفِي عَنْكِ أَنِينَ الأَنين
هَلْ تَعْلَمِين؟
أنِّي حَزِينٌ... وَأَحلُمُ بصَوتِكِ
وأطمعُ بلَمسِكِ وأنْ أسمعَ هَمسَكِ
وفي لَيليَ أَشكُو البُعادَ وأبكِي
لعلَّ السَّوادَ يذوبُ بشمسِكِ
إذ ترجِعِين
هَلْ تَعْلَمِين؟...
أَنَّكِ موتِي إِذْ تَغِيبِين
وأَنَّك رُوحِي إذْ تَخْرُجِين
فلا صوتُ رعدٍ ولا ريحُ أرضٍ
تُخِيفُنِي مِثلَمَا خَوفِي لِبُعدِكِ
آهٍ يَا أُنثى لُو تَشْعُريْن
كَمْ هُو جَمِيلٌ أَنْ تَشْعُرَ نَفسُكِ
بأَنَّكِ نَفْسِي
وأَنَّكِ مَوطِني
وأنِّي الحَكِيمُ لِذَاكَ أُحبُّكِ
ومَا فَعلْتُ حتَّى صُرتُ المَلَاكَ
وأنتِ هَلَاكِي ولَا يَحمِينِي إِلَّا
أَنْ أُعَانِقَ رُوحَكِ وأُعلِنَ حبَّكِ
فقط إنْ صارَ عُمُرِي
في الأربعيْن



18

بُعْدُكِ عنِّي

 

أَشعُرُ بالتَّعاسَةِ لبُعْدِكِ عنِّي
حتَّى كأنِّي
أَشْعرُ أنَّ الوقتَ دمِي
وكلَّمَا مرَّ بعضُهُ
سحَبَ منِّيْ الشَّوقُ..
بعضَ دمِي....
ابقِي قليلاً بَعْدُ في لَهوِكِ
حَافِظِي عَلى مَا أَثَارَ فِيكِ
شوقاً فما أَظنُّهُ
أَنَّكِ الآنَ في حالٍ
لغيرِي... ولسْتِ لِي
حُلُمُكِ وتَأَوُّهُكِ
اسحَبِي مِن وقتِكِ في فرح
واسعِدِي بِمَن بمرآكِ انشرَح
وتذكَّرِي أمرَيْنِ
رُوحُكِ لمِ تَرَ عَطْفَاً
إلَّا على تِلكَ اليَدَينِ
وجَسَدُكِ لَمْ يَشْعُرْ
أَنَّهُ طَاهرٌ عَفيفٌ
إلَّا حينَ قبَّلتْه بُحبٍّ
بِصدقٍ بإخِلَاص
هَاتَانِ الشَّفتانِ
وشَعرُكِ المُزيَّفُ
أَنَا فَقَط يَا نَاكِرَةَ الحَنانِ
مَنْ يَعرِفُ طُولَهُ الحقِيقِيّ
وَمَع ذَلِكَ عَاملْتُكِ وكأَنَّ
جَدَائِلَ بَلقيسَ
تَتَرَاقَصُ كُلَّ لَيلةٍ
على كَتِفيكِ العَارِيَينِ
اِرْحَليْ للرَّاحَةِ
اِبْقِي هُناكَ
وكُونِي ملكَةَ السَّاحَةِ
اِبْحَثِي بَينَ المَقَاهِيْ
انتقِلِيْ مِنْ طَاوِلَةٍ إلى أُخرَى
كَمَا تَفعَلُ كُلُّ الفَاشِلَاتِ
وحِينَ تَتُوبِينَ عَنِ الغوَى
وتَسْأليْنَ نَفسَكِ عَنْ نَفْسِكِ
ماذا فَعلْتِ بِقلبِي أنَا
عُودِيْ... تَائبةً
عُودِيْ تَائبةً وافتحِيْ بابَ الغرفةِ
واشْتَمِّيْ منِّيْ الجَسَدَ
فحِينَهَا سأكونُ قدْ تركْتُ لكِ عِطرِي
وأمَّا أنَا
فلا يَكفِينِي دَمِي في انتظارِكِ
لكَي أبقَى أنَا



19


أُحِبُّهَا أكثَرَ


أُحِبُّهَا أَكثَرَ حينَ تَهْجُونِي

وتتْركُنِي على قارعةٍ

مِنَ العَسكرِ


أُحبُّها أَكْثَرَ

حِينَ تسأَلُنِي عَن نَفْسِي

وعَنْ اسْمِي

أُحِبُّهَا أَكْثَرَ...

حِينَ تَلمِسُنِي وتَصْفَعُنِي


أُحِبُّهَا أَكْثَرَ...

حِينَ تَنَازُعِ الأهوَاءِ...

وتَتْرُكُنِي لِكَي أشْرَب

وتَتْرُكُنِي....

فَوْقَ خُمُورِهَا أَسْكَر


أُحِبُّهَا أَكْثَرَ



إِذْ تَطْلُبُ مِنْ ضِيَاءِ الصُّبْحِ

فُنْجَانَاً مِنَ القَهْوَةِ ؟

حَاشَا.....

بَلْ مِنَ الزَّعْتِر...

فَعِطْرُ صَبَاحِهَا فُلِّيّ

وَلَوْنُ شِفَاهِهَا أَخْضَر

كَمَا نَصْرِيْ...

بِلَونِ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ

هِيَ طِفْلَةٌ...

عِنْدَ بَيَادِرِ العُشَّاقِ

فِي حَيفَا وَفِي يَافَا

هِيَ لِلْعِشْقِ أَوْرَادٌ مِنَ الكَوثَرِ

تَعَالَيْ نَحْلُمُ يَوْمَاً...

عِنْدَ الفَجْرِ

أَنِّيْ أُحِبُّكِ...

أَنِّيْ...

أُحِبُّ... حُبَّكِ أَكْثَر

تَعَالِي نَحْلُمُ أَنِّي بِعَصَا المُشْتَاقِ

أُحَوِّلُ نَهْرَكِ عَسَلَاً

أُحَوِّلُ بَحْرَكِ....

أزْرَقَ.. قَدْ كَانَ


أَمَّا الآنَ فَاخْضَوضَر

تَعَالِيْ نَضُمُّ شَعْرَ الشَّمْسِ

عِندَ جَدَاوُلِ العَوْسَجِ

ونُطْلِقُ صَرْخَةً لِلعَزْمِ

أَنْ نَبْقَى ولا نَهْرُب

أَنْ نـُقتَلَ ولَا نُكسَر

تعَالِي نُنَادِيْ بَردَ الصُّبْحِ

فَوقَ رِياحِكِ العَصْمَاء

أَنْ تَحْمِلَ حُزْنَ الأمْسِ


فَأَنوارُ الشَّمْسِ

لا بدَّ قادِمَةٌ

أمَّا الآنَ فَلْتَشْبَعْ

وُديَانُ الحُزنِ فَلْتَشْبَعْ


بَعدَ سُقُوطِكِ المُدَوِّي

فَوقَ مَخَادِعِ " الأَصْهَبِ"


أَنِّيْ اليَومَ مِثْلُ الأَمْسِ

أَنِّي أُحِبُّ غُصنَ الشَّمْسِ

فِي عَينَيكِ يَا عَسَلِي ويَا زَهْرِيْ

إِنِّيْ أُحِبُّ ذِكرَى الحُبِّ

ولَكِنِّيْ
أُحِبُّكِ أَنْتِ وأُعلِنُهَا
إِنِّيْ أُحِبُّكِ أَكْثَرَ




20

خُذُوا قَلْبِي


خُذُوا يَدِي وحَطِّمُوا عِظَامِيْ أَنا

ولكنَّ طِفْلِي هَذَا اتْرُكُوهُ..

طِفْلِي المَضْرُوبُ بِعَصَاكُمْ...

أَرْجُوكُمْ لَا تَقْتُلُوهُ

طِفْلِيَ المُهَشَّمةُ عِظَامُهُ

.... لا تَسْحَقُوهُ

قلبِيَ دَامٍ مِنْ ضَرَبَاتِكُمْ

أمَا كَفَاكُمْ؟؟

لَا تَستَضْعِفُوهُ

لَا تَنسِفُوا بَيْتَهُ

ولَا تُجْبِرُوهُ

على قَهرِ المَوتِ بالمَوتِ


لا تُرْغُموهُ

... قَرَارُهُ

أَنْ يكونَ حُرَّاً......

بِحُبِّهِ

بِعِشْقِهِ

لَا تُشَارِكُوهُ..

لَا تُعْطُوهُ خَيمةً ولَكِنْ...

اتْركُوهُ يَبنِيْ بَيْتاً

أنْتُم دَمَّرتُمُوهُ



كَمْ سَيَطُولُ صبرُ المَقتُولِ

والمَسجُونِ

آهٍ لَو تَعرِفُوهُ

آهٍ لَو تَفْهَمُوهُ

هِذهِ الأَرضُ

هذِهِ سَمَاؤُنَا... ...

في بيتِ اللهِ كانَ سلامٌ قبلَكُمْ...

سلامُ اللهِ بِقَهرِنَا

لَا

لَنْ تَنَالُوهُ









21

خُذْنِيْ إِليكَ

خُذْنِيْ إليكَ وأَرِحْنِي

فَعِظَامِي يُنادِيهَا التَّعَب

أَنفاسِي أقداحُ عِشقٍ تَشتَعلُ

كما النَّارُ في يَابساتِ الحَطَب

شَوقِي لِمَرآكَ شَرَارَاتٌ

خُذنِي إليكَ واعْتَصِرْنِي

أَرِحْنِي مِنْ احتِرَاقَاتِ الَّلهَب

لَيسَ بَعْدُ فيَّ عَصْفُ رُوحٍ

ولا ارتداداتُ غضب

خُذْنِي إِليكَ

واختزِلْ مِنْ عَينَيَّ حوَارَاتِ الشَّغَب

يا حَبِيْباً فوقَ أغْصَانِ الغُيومِ سَاكِن

تَعالَ إلى خَيالِي واخْتزِنْ فيهِ كُرهَ المَسَاكِن

تعالَ إِلى أَحلامِي.. اعصِفْ بِهَا

واقْرَعْ عَلى أصْنَاجِهَا دَقَّاتِ الهَوَازِن
سَافِرْ بِعُمْرِيْ إِلى عالمِ الصَّفْحِ

فَالصَّفْحُ رَبَّانِي

فَلَا تَكُنْ للهِ خَائن







22

هَنادِي


أَتُرَى بعد الفراقِ

يكونُ تَلاقِيْنَا

أَتُرَى بَعدَ هَذَا البُعْدِ

تَتَلاقَى نَوَاصِيْنَا

ويَنْبُتُ فينَا عُودُ الزَّهْرِ

فَنَسقِيهِ ويَرْوِينَا

أَتُرَى بَعدَ هَذَا السَّهَدِ
نُورُ الصُّبحِ يُنَاجِينَا
أَيُشعِلُ فِينَا رَطْبُ العِشقِ
فَتُوقِدُهُ مآقِينَا


يَا صَاحِبَةً حَلَّتْ عَلَى قَلبِي
مِثْلُ رَيَّانِ الرَّبِيع
وحَبِيبَةً مَرَّتْ عَلى جَدْبِيْ
مِثلُ نَدِيَّاتِ النَّجِيع
فِي غِيَابِكِ
لَنْ تَنسَكِبَ عَنَاقِيدُ الخُشُوع
فِي غِيَابِكِ
لَا دُعَاءَ يَحِلُّ
ولَا صلاةً تُقبَلُ فِي رُكُوع

ليتَ الفُرَاقَ كابوسٌ نَصْحُو...

فَتَرجُمُهُ أَنوَارُ السُّطُوعِ
ليتَ المَرَارةَ والأَلمَ
قِسْطُ ذَنْبٍ

أَبْكِيْ فَتَغسِلُهُ الدُّمُوع

كَم تَعَادَيْنَا وتُهنَا
كَم تَراضَينَا وعُدنَا
كَم أَسَأتُ إِلى عَينَيكِ
البَرقُ والنُّورُ أَنتِ
كَم جَرَحتُ ثَغرَ الصُّبحِ
الرِّيحُ والعِطرُ أَنتِ
كَم ظَلمْتُ عَذرَاءَ النُّجُومِ
مَطرُ البوادِي أَنتِ
كَمْ سَخِرْتُ مِن طُهرِ الغُيُومِ
سحابُ الخَيرِ أَنتِ
ثُمَّ يَأتِينِي هَاتفُ الصُّلحِ
باسمِي يُنَادِيْ
مِنكِ يا هَنَادِي


لَيلَةُ دَبَّ الصَّقيعُ في أحِاسِيسِي
والصَّبرُ حَلَّ
وتَتَطَاولَ الصَّدُّ عَلَى شَوقِ المُحِبِّين
والقَلبُ مَلَّ
ونَظَرتُ ثمَّ نَظَرتُ ثمَّ انتَظَرتُ
هاتِفاً باسمِي يُنَادِي

مِنكِ يَا هَنَادِي


وشَغَلتُ نَفْساً بالعجبِ مِن عَزْفٍ وشَادِيْ
وسَكَبتُ كَأسَ الزَّمهَرِيرِ
بَعدَ تَمجِيدِ الرُّقَادِ
ثمَّ خَلَوتُ إِلى نَفْسي لله فِيكِ
يَملَأُها السُّهَاد
وعَزَفْتُ عَن طَلَبِ الحَبِيبِ
ولَمْ أَنتَظِرْ هَاتِفَاً باسمِي يُنادِي

مِنْكِ يَا هَنَادِي


أَطَلْتِ الغِيَابَ حَبيَبتِي فَاصطَادَنِي الهَمُّ
وتَرَقْرَقَتْ فِي عيَنَيَّ دَمْعَاتُ الأَلَمِ
وتَطَايُرَاتُ أَفْكَارِي بَينَ سَقَمٍ وَذَمٍّ
وأَصَابَنَي الهَلَعُ
فَبدَأْتُ أُهَاتِفُكِ وَأُنَادِي
باسمِكِ يَا هَنَادِيْ

قَادَنِي الشَّوقُ إِلى دُرُوبٍ
مَشَتْها مِنْ قَبْلُ قَدَمَاكِ
وتَنَسَّمْتُ عِطرَ الهَوَى
مِن بَسمَةٍ كَانَت تَليقُ عَلِيكِ
وبَحَثْتُ عَن تَسكِينِ الجُرُوحِ
هُنَاكَ...
عِندَ زَاويَةٍ لَا تَزَالُ تَسكُنَهَا عَينَاكِ
وجَزِعْتُ وَرَاعَنِي افتِقَادُكِ
فَأَسكَنْتُ فِي قَلبِيْ الضَّنا...

لَستِ هَناكَ لَستِ هُنَا؟

فَأَرسلْتُ مِن هَلَعِي وَحُزنِي

رسالةً تُنَادِي باسمِكِ يَا هَنَادِي
وجاءَنِي مِنكِ الجَوابُ
فَتَحْتُ الرِّسَالَةَ
وكِدْتُ أُقَبِّلُ الجوَّالَ إِذ فِيهِ أَخْبَارُكِ
وَقَرَأْتُ
أَنَا شَقِيقُ المَرْحُومَةِ هَنَادِي
فَمَنْ تَكُونُ أَنتَ








24

غَرِيقٌ فِي بَحْرِ النِّسَاء

وَغِرقْتُ فِي بَحْرِهِنَّ مُذْ أَنْ عَرِفتُهُنَّ
جَمِيلَاتُ القَدِّ والرُّوحِ، أَجْمَلُ صِفَاتِ الأُنُوثَةِ  
يَعرِفْنَ قَدْرَهُنَّ
فَيَتعَالَيْنَ عَلَى السَّابِحِيْنَ فِي بُحُورِهِنَّ
ولهُنَّ أَسَاطِيلُ تَجُوبُ البِحَارَ الغَرِيبَةَ
تَشُقُّ عُبَابَ المَوجِ
ولَهُنَّ أَساطيلُ عُظمَى
تَحْمِلُ صَنَادِيقَ سِحرِيَة
يَتَدَفَّقُ الكَلَامُ حُلْوَاً رَخِيمَاً
مِنْ حَنَاجِرِهِن
تَحْمِلُ عُيُونُهُنَّ المَطَرَ...
يَنهَمِرُ خَيرَاً مِنْ يَنَابِيعِ حُبِّهَن
الُّلؤلُؤُ والمُرجَانُ فِي عُقُولِهِنَّ
وَفِيْ أَنْفُسِهِن
فَإِنْ غَطَسَتَ
وصَلْتَ إِلَى الكُنُوزِ
وفُزْتَ بِقُلُوبِهِن

فِيهِنَّ الجَمِيلَاتُ النَّاعِمَاتُ
وفِيهُنَّ
الوَاصِلَاتُ العَارِفَاتُ الشَّامِخَاتُ
وفِيهُنَّ
المَاكِرَاتُ الفَاضِحَاتُ لِكَيدِهِن
وفِيهُنَّ
الأُمُّ الّتِي تَحمِلُكَ وتَصطَلِي بِنَارِ العِشْقِ
لِعَينَيكَ
لِخَفَقَاتِ قَلبِكَ

  قَبلَ أَنْ تُولَدَ..
وَقَبلَ أَنْ تَبدَأَ سَنَواتُكَ، تَبدَأُ أُمُّكَ الحُلوَةُ بَعْدَهُنَّ
وتَرتَوِي تِلكَ مِنْ نَزفِهَا
وتَشبَعُ مِنَ النَّومِ أَنْتَ
حِينَ تَسهَرُ هِيَ
وتَغْفُو عَينَاكَ هَنِيئَاً
وَمِنهُنَّ
مَنْ تُعطِيْ قَلبَهَا طَعمَاً لِوَلَدٍ أَو لابنَةٍ ثمَّ بِمَاذَا نُكَافِئُهُن؟
وَفِيهُنَّ
مَنْ لَو غَابَ زَوجُهَا سِنِينَ
ثمَّ عَادَ لَوَجَدَ شَفَتَيهَا كَمَا كُن
وَفِيهُنَّ
مَن كَالأَشجَارِ البَاسِقَاتِ لِطُولِهِنَّ
تَحسَبُ أَنْ نَظَرُهُنَّ لَيسَ أَبعَدَ مِنْ أُنُوفِهِن
وَلَكِنْ
إِنَّ كَلَّمْتَهُنَّ...
عَرِفْتَ أَنَّهُنَّ
خَيرٌ مِنْ ألفِ رَجُلٍ
لَو قَارَنتَ بِالرِّجَالِ ذَكَاءَهِن
وَهُنَّ
أَخَواتُ الرِّجَالِ حَسْمَاً وَحَزْمَاً
وَخِمَارُهُنَّ
عِفَّةُ نَفسٍ وَسَعَةُ صَدرٍ
وَمَكرُهُنَّ
لِلكَارِهينَ والشَّامِتينَ وَالعَابِثينَ
فَإيَّاكِ والعَبَثَ مَعْ أَمثَالِهِن

وَمِنْهُنَّ
العَاشِقَاتُ اللّواتِي إِنْ قَصَدْتَ شَوَاطِئَهُنَّ

لَوَجَدْتَها أَكيَاسَاً مِن رَملٍ
فَهُنَّ
يَرْفَعْنَ فِي وَجهِ الغُزَاةِ المُعتَدِينَ مَتَارِيسَهُن
وَمِنهُنَّ
مَن إِنْ غَازَلْتَهُنَّ... غَزَلْتَهُنَّ
وَلَو سَايَرْتَهُنَّ
لَأَخَذتَهُنَّ بِالمَوَدَّةِ والحُبِّ
ثمَّ لَئنْ تَرَكْتَهُنَّ
لأَصبَحْنَ كَأَنَّهُنَّ
غَارِقَاتٌ زَاحِفَاتٌ سَارِحَاتٌ ذَلِيلَاتٌ
إِلى أَنْ تَعُودَ إِليهِن
فَيُعْلِنَّ حِينَهَا
حَربَاً عَلَيكَ وَيُطفِئْنَ بِكَ حِقدَ قُلُوبِهِن
وَبَعضُهُنَّ
يَصْبِبْنَ عَليكَ ماءَ نَارٍ
إِنْ عَرَفْتَهُنَّ
إِنَّهُنَّ
النِّساءُ يَا عاشِقاً هَالِكاً
إِنْ لَم تَعرِف السِّبَاحَةَ فِي بَحْرِهِنَّ

سَتُمضِي حَيَاتَكَ غَريقَاً
إِن لَم تَحتَرِم فِيهِنَّ عُقُولَهُن
فَإيَّاكَ وَمُصَارَعَةُ عُقُولِهِنَّ
فَهُنَّ
أَولَى بِالفَوزِ مِنكَ
وإِلَيهِنَّ
يَعودُ دَومَاً تَاجُ المَلِكِ عَلى حَيَاةِ الرِّجَالِ
لأَنَّهُنَّ
نِساءٌ.... فَإيَّاكَ والعبَثُ مَعْ مَكْرِهِن
عَشِيقَاتٌ وَشَقِيقَاتٌ وبَنَاتٌ وَصَدِيقَاتٌ
إِيَّاكَ وَالعَبَثُ مَعْ مَكْرِهِن
وإِيَّاكَ والتَّمَرُّدُ
فَمَكرُهُنَّ عَظِيمٌ
وَهُنَّ
نِصفُ الكونِ لَا بَل عَنِ النِّصفِ يَزِدْنَ
لأَنَّهُنَّ
نَهْرُ الحَيَاةِ وَمِنهُنَّ
تَنبُعُ رُوحُ الكَونِ
وَلَولَاهُنَّ
لَمَا كُنْتَ ولَا كَانَ فِي الدّنيَا رِجَالٌ
ولَولَاهُنَّ
لَمَا عَبَرَتْ أَسَاطيلُ الحُبِّ بِحَارَ الرُّوحِ
وَلَولَاهُنَّ
لَمَا عَرفَ النّاسُ مَعنَى أَنْ أَعْظَمَهُنَّ أُمٌّ
وَأَوَّلَهُنَّ أُمٌّ
وآخِرَهُنَّ أُمٌّ
لَولَاهُنَّ
لَكَانَ عَلَى الدُّنيَا السَّلام
فَلَولَاهُنَّ
لَمَا كَانَ فِي الدّنيَا أُنَاسٌ وَلَا عِشْنَا

لَولَاهُنَّ وَلَولَا وُجُودِهِنَّ
فَلَا كَانَ قَلْبٌ قَدْ خَفَقَ
ولَوْلَاهُنَّ
فَلَا رَجُلٌ قَد طَفَقَ يَتَغَطَّى بِأَورَاقِ التّوتِ
وَلَولَا عُيَونِهِنَّ
لَمَا بَكَتْ عُيونُ الرِّجَالِ
وَلَولَا أَثْدَاؤُهُنَّ
لَمَا عَرِفَ الرَّضِيعُ مَعنَى الحَنَانِ
وَلَولَا صَبرُهُنَّ
لَمَا كَبُر فَتَىً وَلَا رَأَى مِنَ الحَياةِ يَومَاً جَمِيلَاً

هُنَّ الحَيَاةُ وَمِنهُنَّ نَبعُ الحَياةِ قَد بَدَأَ
يَا رَجُل.

ليسَ فِي الحَيَاةِ مُمكِنٌ، بِلَا أَرحَامِهِنَّ

فَاعبَقِي يَا رِيَاحَ الكَونِ بِأَسمَائِهِنَّ
وتَفَجَّرِي يَا صُخُورُ بِمَاءِ الحَياةِ مِن مَآقِي...
مَنْ لَو لَم يَكُنْ فِي الكَونِ إِلَّاهُنَّ
فَلَا ضَيرَ
إِذْ إِنَّ فِي بَعضِهنَّ قُلُوبُ العَذَارَى وَفِيهِنَّ
أَيضَاً بُطُولاتُ الأَشَاوِسِ
وَهُنَّ مَن إِنْ خِلْتَ مِنهُنَّ دُنيَانَا

فَلَا دُنيَا لَنَا.. ولَا كُنَّا لَولَا أَنْ كُنَّ








25

أُسَمّيكِ القِيَامَةَ


أُسَمِّيكِ القِيَامَةَ يَا حُلوةَ العَينَين
مُغريَةٌ أَنتِ مِثلَ حَبَّاتِ المَطَر
سَاحِبَةً لِلغَيمِ إِلى شُطآنٍ بَعِيدَة
وأَنْتِ يَا غَرِيبَةُ مَن يَسقِي عِطَاشَ رُبُوعِكِ
وأَنْتِ يَا غَرِيبَةُ صِرْتِ لأَجْلِ النَّاسِ
كَوَاحِدَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الغَجَر

أُسَمِّيكِ القِيَامَةَ
وَلَا أُؤمِنُ أَنَا بِقِيامَةِ الأَموَاتِ إلَّا...
لِيَدخُلُوا جَنَّةً أَو لِيُسْجَنُوا فِي سَقَرْ
وَلَا أُؤمِنُ أَنَا بِقِيَامَةِ الأَموَاتِ قَبلَ هَاتِيكَ الصَّرخَةِ وَالمُزْدَجَرِ

أَنتِ القِيَامَةُ لِذَا سَمَّيتُكِ القِيَامَةَ يَا فَارِعَةَ الطُّولِ
يَا سَمَاويَّةَ العَينَينِ
يَا حُلوَةَ الشَّفَتَينِ
يَا عَفِيفَةَ الكَفِّ رَهِيفَةَ النَّفْس
أُسَمِّيكِ القِيَامَةَ فَقَد كُنْتُ مَيْتَاً وَأَحيَانِي أَنْ تَلتَقِي الصُّدفَةُ مَع نَاظِرَيكِ

قَد كَانَت لِي حَيَاةٌ وَكُنْتُ يَومَاً حَقلَاً أَخضَرَ
فِي جَنَائِنِي نَبَتَ الزَّنبَقُ وَالنَّرجِسُ
وَفِي ظِلَالِ يَاسَمِينِ مَا قَبلَ خَطِيئَتِي الأُولَى

كَانَ بَعضُ المُتَسلِّقِينَ عَلَى أَضلُعِ الحُبِّ قَد عَشِقَ بَعضَاً مِنَ المُتَسلِّقَات

كَانَ لِي مِن قَبلُ مَدَائِنُ
فَجَاءَهَا التُّرابُ مَع رِيحِ العَذَابِ وطَمَرَهَا
وَقَد كَانَت لِي مِن قَبلُ قُصُورٌ فِرعَونِيَّةٌ
فَأَغرَقَهَا الجَزَعُ وَالطَّمَعُ فِي مِيَاهٍ آسِنَة
قَبلكِ يَا سَيِّدَةَ العُيُونِ الكَحِيلَةِ
قَبلكِ كُنتُ أرضاً خِصبَةً تُعطِي الثَّمارَ
لِمَن لَا يَطلُبُهَا
ثُمَّ جَاءَنِي الجَليدُ يَومَاً
وَمرَّت عَلَى أَضلُعِي بَعدَهَا دَينَاصُورَاتُ الزَّمِنِ الأَوَّلِ


فَحَطَّمَتْنِي

وَقَتَلَتْنِي

وَدَفَنَتْنِي

يَا سَيِّدَةَ القِيَامَةِ والسَّلامَةِ
أَنَا أَلِيعَازَرُكِ فَهَاتِي يَا مُخَلِّصَتِي يَدَيكِ أُقَبِّلُهَا
هِاتِي وَجْنَتَيكِ أَمسَحْهُمَا بِالعُودِ وبِالزَّيتِ المُقَدَّسِ
وَتَعَالِي سَوِيَّا لِنُشْعِلَهَا
رَايَةَ الحُبِّ النَّاريَّةِ
تَعَالِي يَا سَيِّدَةَ القِيَامَة
تَعَالِي لَأَروِي لَكِ عَن قُرُونٍ بَقِيتُ خِلَالَها مُتَجَمِّدَاً فِي بَاطِنِ الأَرضِ
وَفَوقِي
مَكَثَتْ لِآلَافِ السِّنِينِ
وَرُبَّمَا لِمَلَايِينَ مِمَّا تَعدُّونَ
أَطنَانٌ وَأطنانٌ مِنَ التُّرابِ
والصَّحرَاءِ
والجَلِيد


كنتُ قَد صِرتُ آسنَاً.. كأَرضٍ بَوار
كَصحرَاءَ لَا تُعطِي إِلَّا الأَلَم فِي النَّهار
والوَحدَةَ في الَّليلِ...
صَارَت أَرضِي مَرِّيخِيَّةً
لَا تَرَى حَرَارَةَ الشَّمسِ إِلَّا كسِكِّينِ موتٍ
سِكِّينٌ تَطعَنُ أَحلَامِي
وَتَحكُمُ عَلَيهَا بِدَوامِ الفَنَاء.
يَا سَيِّدةَ القِيَامَةِ والنَّجَاةِ
جَاءَتْنِي عَينَاكِ يَومَ التَقَتْهَا عَينَايَ
في موعِدٍ صَنَعَتهُ يَدُ الصُّدفَةِ
بِلَا مِيعَادٍ وَبِغيرِ اتَّفَاق
بَل قُولِي بِاتِّفَاقٍ بَينَ رُوحِكِ المُخلِصَةِ
وَجَسَدِي الفَانِي.
لَمَسَتْنِي شَمسُ عَينَيكِ الشَّافِيَةِ
فَتَحَرَّكَتْ أَغصَانُ اليَاسَمِينِ
كَمَاردٍ مُتَعَملِقٍ يَأبَى إِلَّا الحَيَاةَ قاهراً
لَمَسَتْني شَمسُ وَجنَتَيكِ
فَحَطَّمَت حَرَارَتُها كلَّ جِبالِ الجَليدِ فِي قُطبِي الجَنَوبيّ
وأَمّا قَطبِي الشَّماليّ...
فَقَد ذَوَّبَتْهُ غِيرَةٌ عَميَاءُ وَحَسَدٌ
حَسَدٌ مَنْ جَسَدِي الفَانِي
الَّذي أَعَادَته شِفَاهُكِ إِلى الحَيَاةِ
حِينَ نَطَقْتِ
يَا مُخَلِّصَتِي
حِينَ نَطَقْتِ... ارتَسَمَ شَكلُ جَسَدِي الدُّنيَويّ وِفقَاً لِرَغَباتِكِ
وأَمَّا رُوحِي
فَتَعَملَقَتْ كَمَاردِ الفَانُوسِ السِّحريِّ صَائِحَةً:
لَبَّيكِ مَولَاتِي

لَمَستنِي شَمسُ الرَّغبَةِ فيني مِنكِ فَأَعادَتنِي حيَّاً
حَطَّمَتْ أَغصَانُ رُوحِي كلَّ مَا فوقَها مِن صخورٍ وكُهوفٍ وَهميَّة
وخَرَجْتُ بِفضلِكِ مِن بَاطِنِ الأَرضِ
لُتِعلِنَ أَنَّ الحُبَّ هُو سَهمُ الحَيَاةِ
هو قوَّةُ الخَلاصِ وسَفِينَةُ النَّجَاةِ
هُو رَايَةُ الحرِّيَّةِ
قَبلكِ يَا سَيِّدَةَ القِيَامَةِ لَمْ أَكُنْ سِوى صَدى للسَّنَواتِ
قَبلكِ يَا جَميلَةَ الجَميلَاتِ
لَم أَكُنْ سِوى جسَدٍ باهتٍ وَروحٍ كئيبة
مزَّقَنِي الفناءُ وَنَثَرَ رميمُ الحياةِ مِنِّي كَفَنَ المَلَلِ
كُنْتُ قَد يَئِسْتُ مِن فُرصَةٍ مُستَحيلةٍ أحظَى فِيهَا بِعشقِ السَّاحِرات
كنْتُ قَبلَكِ قَد يَئِستُ مِن خَفَقَاتِ القلبِ
فَكَيفَ لِقَلبِي المُندَثِرِ أن يُحِسَّ بِمَا يَشعُرُ بِه العَاشقونَ قَبلَ مَوَاعِيدِ المُرَاهِقِينَ بالمِرَاهِقَات
كُهُولَتِي اللُّغَوِيَّة أَكَّدَتْهَا بُرُودَةٌ دَائِمَةٌ فِي اليَدَين
وَغُربَتِي عَن عَالمِ الحَيَاةِ والنَّشوَةِ أثْبَتَتْهَا ظُلمَةٌ فِي القَلبِ قَبلَ العَين
ثمَّ أَتَيتِ بِمَاءِ الحَيَاةِ تَسكُبِينَه مِن بَسمَةٍ كرَسمَةٍ
سَكَبْتِ مِن بَسمَتِكِ حَيَاتِي الجَدِيدَة
أعَانَتنِي تِلكَ الطِّيبةُ عَلَى طَردِ الوُحُول
شَدَّتنِي تِلكَ الفِطنَةُ إِلى عالمِ الشَّبابِ بعدَ أَنْ عِشتُ دَهراً أَتَنَقَّلُ لُغويَّاً
بَينَ عالمِ ادِّعاءِ الفُحُولةِ وبَينَ أكَاذِيبِ الكُهُول
كَلمةٌ مِنكِ فَعَلتْ فِعلَها
اتَّصِل بِي
أَعَادتْني إلى عالمٍ مَسحورٍ مِن أَشعارِ الغَزَل
صَوتُكِ في هَاتِفِي لَيلَتَهَا أَشعَلَ أنَوارَ تَماثِيلِ الحُرِّيَّةِ الثَّلاثة
ذَاكَ الَّذي فِي نيويوركَ
والثَّانِي الَّذي في باريسَ
وثَالثُهُم قَلبِيَ العائدُ للتَّوِّ مِن أَسرِ المَوتِ إلى حرِّيةِ العِشقِ وحرارةِ الوَلَهِ

لَم أَتكلَّم كثيراً هل تَذكرين؟
كنتُ أَستمعُ إلى صوتِكِ
كنتُ خائِفاً إن سكَتِّ أَنتِ أنْ يُعيدَني الصَّمتُ إِلى صَمتِ القُبُور
كُنتُ جَزِعَاً فَزِعاً
تَمسَّكتُ بصوتِكِ... بِهَمسِكِ
لأنِّي كُنتُ مُتأكِّداً يَومَها بأَنَّ صوتَكِ هو إكسيرُ الحياةِ الَّذي سَحَبني من عالمِ البرزَخِ إِلى جنَّةِ عينَيكِ
هَل تَعرفينَ حقَّاً مِقدارَ السِّحرِ الّذي في عَينَيكِ؟
لَو كَانَت لِزنُّوبيَا هاتانِ العينانِ لهَزَمَتْ بهما جيوشَ الطُّغَاةِ
ولَو كَانَت للمُوناليزا ضِحكةُ عينيكِ لَمَا احتاجَت لِمَن يَرسُمُهَا
عينَاكِ لا تحتاجُ لأَلوانِ الفنَّانينَ فَهيَ مِن أَنوارِ الكَونِ مَصنُوعٌ رَسمُها
في السَّماءِ وفِي البَحرِ
وفِي كلِّ زَاويةٍ من زَوايَا الفرحِ
يُمكِنُ للرَّاغبينَ والطَّالبينَ أنْ يَجدُوا لوحةً لعَينَيكِ..
عيناكِ تستطيعُ صنْعَ تسُونَامِي فَضلاً عَن إيقَافِ أُخرَى
عيناكِ يمكنُها أن تُعيدَ مَكُّوكَاً فضائيَّاً تائِهاً إلى مدارهِ
إن استطاعَ الرّبَّانُ أن يَراهَا من خلفَ الحُجُبِ
عيناكِ سُفُنِي
وليسَ لِي فِي دُنيَايَ هذِهِ سفنُ نجاةٍ إِلَّاهَا
لِذا يَا مُخلِصَتِي
لِذَا يا سيِّدَةَ القِيَامَةِ
لَا تُعِيدِي خَادِمَ الفَانُوسِ إِلى عَصرِ الجَليدِ
لِذَا لَا يَجِبُ أنْ تَبتَعِدَ عَينَاكِ عنِّي وإِلَّا
كانَ عَلَيكِ حمْلُ وِزْر قَتلِي مِن جَدِيد










26

وَردَةٌ حَمرَاء


كَيفَ حَالُكِ يَا صَدِيقَتِي..

اشتَقْتُ إليكِ كَثِيرَاً
منذُ مُدَّةٍ لَمْ تُمطِر أَشعارِي
فَوقَ هذِهِ الأوراقِ الوَهميَّةِ

كُنتُ كبُرتُقَالةٍ مَعصُوَرةٍ
ولمْ تَعد تُعطِي إلَّا الخَيَالَ الدَّاكِن
ثمَّ عَرفْتُكِ
فَصَارَت كلُّ مَخَارِجِ الحُروفِ تَهذِي
حُمَّى الحُبِّ أطلَقَت يَنَابيعَ الأشعَارَ والحَكَايا

أَشعرُ بأَنَّكِ بركانٌ
ومِن فَوهَتِهِ يَندَفِعُ لهبٌ
يقذِفُ حُبٌّ وحُبٌّ وحُبّ.

سأَلتُهُ :

ألسْتَ مُستًعجِلاً قلِيلاً؟

دَعْنَا نَتروَّى..
فأَنَا لَم أَتَّصِل بِكَ لأَجلِ كَلماتِكَ
تِلكَ الَّتي تُدغدِغُ بِهَا أنوثةَ النِّساءِ
لا أَرغَبُ بأنْ أُحِسَّ بأَنِّي سهلةُ المنالِ
أَنَا أَبحثُ الَّليلةَ عن حُلُمٍ بِكَ
ولَا أُريدُ لِكلماتِكَ أَنْ تَعبَثَ بِأحلَامِي..

كَلامُكَ أَجمَلُ مِن شِعرِي.. قَالَ لَهَا :
هَلْ تُمَانِعِينَ لَوْ سَرقْتُ أَلوَانَهُ وزَيَّنتُ بهِ لَوحَةَ أَشعَارِي؟


ليسَ هناكَ شاعرٌ يستحقُّ مُلكِيَّةَ شعرِهِ
فكلُّ الأَشعَارِ كلامٌ مسروقٌ
كُلُّهُ هدايَا أَفرحَتْ قَلبَ مُحتاجٍ
فلمَّا أَتْخَمَتْهُ الكَلِمَاتُ
رمَاهَا لعابِرِ شِعرٍ يَغتسِلُ بِهَا
امنَحينِي أَلوانَ عَينَيكِ
دَعِينِي أُمسِّدُ جَسَدِي بِها
لعلَّ وطأَةَ الَّلونِ الدَّاكِنِ تُفزِعُكِ
أنَا غريبٌ.. ولوني أَسْمَرُ
وإن لم يكنْ يُعجِبكِ جَسَدِي
فلسانِي لَا وَطَنَ لَهُ
خُذِي مِنهُ الكلامَ ودَعِي مَا عَدَاه للتَّاريخِ


قالَتْ:
لَا تُدَغدِغنِي فَأنَا امرأَةٌ

والشِّعرُ لَهُ وَقعُ السَّيفِ علَى رِقَابِ النِّسَاءِ

قَالَ:

وإنْ تكلَّمتُ...

فأَجَابَتْ :

ستحوِّلُني في لَيلَةٍ وعِطرٍ إلى رَاقِصَةٍ

رَاقِصَةٍ طَبَّالُهَا صَوتُكَ



كلامُكَ عِندِي تَردُّداتُ ارتِطَامِ الأَرضِ بالقَمَر

طَعنَاتُكَ في قلبِي تُفرِحُنِي

قَبرِي الَّذي فَتَحَتْهُ لِي عَينَاكَ يَجذِبُنِي وَلَو فيهِ هَلاكِي.

قالَ لَهَا :

لا تَنظُر إلى عَينَيَّ إذاً

هِيَ:
أَلهذِهِ الدَرجَةِ يُخِيفكَ هَلاكِي؟

أَعرِفُ أنَّ بينكَ وبينَ حبِّكَ لِي قضيَّةٌ
وبينِي وبَينَكِ شَعْبٌ وتهجيرٌ
وجَرَائِمُ نِصفِ دَسْتَةٍ مِنَ الحُروبِ.

هُوَ:
أَحبِّينِي قَبلَ أَنْ أَتذَكَّرَ مَنْ أَنتِ فَأَكرَهُكِ
أَحبِّينِي فَفيكِ نبذةٌ مِن عدوِّي
أَحبِّيني ففِي دَمِكِ تَجرِي أَيادٍ ذَبحَت أَجدَادِي
أَنَا في الحُبِّ مسيحِيٌّ
مَنْ قَتَل جَدِّي واستعمرَ بِلادِي
مُعذِّبِي ومضَّطَهِدِي
لَا أَنتقمُ مِنْهُ بَل أُديرُ لهُ قلبِي الأَيسَرَ
مَن قَال إنَّنا لَا نُحبُّ أَعدَاءَنَا واهمٌ


نحنُ نَكرَهُهُم حتَّى نتعوَّدَ عَلَيهِم
فإن هُزِمُوا أَو اندَثَرُوا بَكينَا فُرَاقَهُم
لأَنَّ وُجودَهم مَنَحنَا العَذَابَ
ومِن أَجلِ عَذَابِنَا حَلِمنَا لَهم بالهزِيمَةِ ولَنا بالنَّصر.
فإِذَا ما انتصَرنَا، توَضَّحَت الصُّورةُ وزالَ الضَّبَاب....
كُنَّا نُقاتِلُهُم لنَنَالَ حرَّيَتنَا مِن أَنفُسِنَا
وكَانُوا يُعذَّبونَ فِينَا ما يَكرَهُون
وكَانُوا يَقتِلُونَ فينَا ما يَخشَونَه فِي أَنفُسهِم
مِن ضَعفٍ وطِيبَة.

الطَّيِّبُ لا يَقتِلُ غَيرَهُ
بَل نَفسَه حينَ يقتلُ الآخرينَ؟

قالَت :
لو كَانَ يعرِفُ أنَّهُ يقتلُ لَمَا قَتَلَ
ولكنَّهُ يَغارُ مِنْ تَقبُّلِ الرَّبِّ لقُربَانِ غيرِهِ
فَيَحلُمُ بإزَاحَتِهِ ليبقَى قُربَانُهُ وحدَهُ

الطَّيِّبُ لا يَقتِلُ واللهُ لَا يُخطِئُ.

اسمَعْ أيُّهَا العَابِثُ بِرَغَباتِي ومُستَغِلُّهَا
دَعكَ مِنَ الفَلسفَةِ الآن
ارمِ الشِّعرَ فوقَ سريركَ لينَام

وقَابِلْنِي غَداً لتشاركَ في احتِفَالِي
لا تَجلُب الهَديَّةَ مَعكَ
لأَنِّي لَمْ أَعْرِفْ طَعمَاً لِعِطْرِكَ بَعدُ
لا تَسْتَعْجِل الانتِقَامَ لأَجدَادِكَ...
بَينَنَا دَهرٌ مِنَ الكَلِمَات
خُذْ وَقتَكَ حِينَهَا
واذبَحنِي بِشِفَاهِكَ ألفَ مَرَّةً
خُذْ بثَأرِكَ
اِشْفِ غِلَّ صَدرِكَ
أفرِغْ ما فِيكَ مِنْ حِقدٍ عَليَّ بالحُبِّ
فالحُبُّ والشِّعرُ أَسلحةُ انتقامٍ
اِزْرَع شِعرَكَ فَوقَ أَحْوَاضِ المَدينةِ
ودَعْ زُهورَكَ الشَّرقيَّةَ تَنبُتُ فَوقَ أحوَاضِنَا

سَتَأتِي؟

سَآتِي.. والعُنوانُ؟
هِيَ :

أرسلْتُه لكَ بالبريدِ الإلكترونيّ
تفقَّدهُ واحفَظ وَردَةً حَمراءَ
كَتبْتُ لَكَ العُنوَانَ علَى أوراقِهَا.
لَا تُحَاوِل شَمَّهَا
عِطرُهَا مُتَخيَّلٌ
ولونُهَا الأَحمَرُ السَّاحرُ صِنَاعَةٌ كَهْربَائِيَّةٌ
أَمَّا أَنَا فمِن لَحمٍ وَدَم
تَعَالَ والْمِسْنِي
تَعَالَ وانْتَقِم
فَليسَ كُلُّ يَومٍ يَأتِينِي طَالِبُ ثَأرٍ
ولَيسَ كُلُّ يَومٍ تُتَاحُ لَكَ الفُرصَةُ
سَتأتِي........؟


27




مَا عَشِقْتُ سِوَاكَ


أنَا مَا عَشِقتُ في الغَرَامِ سِواكَ
ولَا مالَ قَلبِي إِلى غَيرِ ضِيَاكَ
بَحَثَتْ عَنكَ أحشَائِي وأَورِدَتِي
إلَّا بِرُكنِ القَلبِ هناكَ حيثُ أَرَاكَ
طَوَيتُ أيَّامِي طَيَّ الثَّوانِي والظّنُون
وخَلَعتُ ثَوبَ العِفَّةِ عِندَ أَقدامِ المُجون
ورَكَزتُ نَفسِي بَينَ العَواهِنِ والمُتُونِ
وصَعَقتُ وَجهَ الشَّمسِ بِنَهمِ الغَرَامِ فِدَاكَ
ثمَّ أَنكَرتُ كُلَّ غِطَاءٍ فِيهِ ظلٌّ
يَحجِبُ عنِّي ظِلَّ سَمَاكَ
أَنتَ فَحوَى القَلبِ والرّوحِ نشيدٌ
يشدوهُ صَوتِي عَلى لَحنِ حدَاكَ
لَا تَترُكْ جُروحِي نازفةً وتَرحلْ
عاشِقَةٌ أَنَا..
رَضِيتُ بِبَلائِكَ ولَا أَطلبُ شيئاً
وَرُغمَ ذاكَ
لَا أَنالُ رِضَاكَ
بَعدكَ لَنْ يَبقَى فِيَّ شيءٌ يُطلَبُ
بَعدَكَ لَنْ يُورِقَ غُصنِي
ولَا زَهرِي يَنبُتُ
إنْ مَنَعْتَنِي الوَصلَ والغَرامَ
صِرْتُ حَطبَ جَسَدٍ
أنَا يَا صَاحِبِي..
يَا هِاجِرِي
نوعٌ نادرٌ
لَا يَمُرُّ رَبيعُهُ
بِغيرِ لَمسِ يديك.

No comments:

Post a Comment